الحماية التكميلية، والحق الدستوري في اللجوء، وحماية الحياة الخاصة والعائلية بعد المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2023: ملاحظات على مرسوم صادر عن Tribunale di Bologna بتاريخ 12 ديسمبر 2025 (السجل العام رقم 8151 لسنة 2024)
الملخص
يتناول هذا المقال مرسومًا حديثًا صادرًا عن محكمة بولونيا بتاريخ 12 ديسمبر 2025 (السجل العام رقم 8151 لسنة 2024)، اعترف بالحق في منح تصريح إقامة لأسباب الحماية الخاصة وفقًا للمادة 19 من المرسوم التشريعي رقم 286 لسنة 1998. وتندرج هذه القرار ضمن النقاش الذي أثارته التعديلات التي أدخلها المرسوم بقانون رقم 20 الصادر في 10 مارس 2023، والمحوَّل إلى القانون رقم 50 بتاريخ 5 مايو 2023، ويقدّم إعادة بناء منهجية لمفهوم الحماية التكميلية باعتبارها تعبيرًا عن الحق في اللجوء المكفول دستوريًا. ويُولى اهتمام خاص لدور الحياة الخاصة والعائلية، ولمكانة التقييم المقارن، وللعلاقة بين الالتزامات الدستورية والمصادر الاتفاقية، في ضوء أحدث اجتهادات Corte di Cassazione.
1. الإطار القانوني للحماية التكميلية بعد عام 2023
أثّر إصلاح عام 2023 بعمق في بنية المادة 19 من النص الموحد للهجرة، من خلال إلغاء الفقرات التي كانت، في الصيغة المعتمدة عام 2020، تُحدِّد صراحةً المعايير المتعلقة بالحياة الخاصة والعائلية. وقد غذّى هذا التدخل التشريعي، في الممارسة الإدارية، فكرة تقليص نطاق الحماية الخاصة وحصرها في بند احتياطي لمبدأ عدم الإعادة القسرية بمعناه الضيق.
غير أن المرسوم محل التعليق يرفض هذه القراءة رفضًا صريحًا، ويعيد بناء الإطار القانوني القائم باعتباره عودة جوهرية إلى النظام السابق لعام 2020، حيث كانت الحماية الإنسانية – التي تُسمّى اليوم الحماية التكميلية – تستند مباشرةً إلى الالتزامات الدستورية والدولية المشار إليها في المادتين 5، الفقرة 6، و19 من المرسوم التشريعي رقم 286 لسنة 1998. وبحسب المحكمة، فإن إلغاء مؤشرات قانونية محددة لا يترتب عليه زوال الحق الموضوعي في الحماية، الذي يظل قائمًا بوصفه حدًا لا يجوز تجاوزه في تدابير الإبعاد.
2. الحماية التكميلية والحق الدستوري في اللجوء
من أبرز جوانب المرسوم الربط الصريح بين الحماية التكميلية والحق في اللجوء المنصوص عليه في المادة 10، الفقرة الثالثة، من الدستور الإيطالي. إذ توضّح المحكمة أن الحماية الخاصة ليست منحة تقديرية من الإدارة، بل هي إحدى صور تنفيذ الحق الدستوري في اللجوء، بوصفه حقًا أساسيًا في حد أدنى من العيش الكريم.
ومن هذا المنظور، تكتسب الحماية التكميلية نطاقًا أوسع من ذلك الذي يفرضه قانون الاتحاد الأوروبي أو الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وحدها. فالإحالة إلى الالتزامات الدستورية تُمكّن النظام القانوني الداخلي من ضمان مستوى معزّز من الحماية، لا يجوز تقليصه بتفسيرات تقتصر على معايير فوق وطنية أكثر تقييدًا.
3. الحياة الخاصة والعائلية بوصفها معيارًا مركزيًا للحماية
يفرد المرسوم حيزًا واسعًا لتعليل حماية الحياة الخاصة والعائلية، مع الإشارة إلى المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وإلى جذورها في المواد 2 و3 و10 من الدستور. ولا تُفهم الحياة الخاصة هنا فهمًا ساكنًا أو عائليًا بحتًا، بل باعتبارها مجموع العلاقات الاجتماعية والمهنية والعاطفية التي تُسهم في تشكيل هوية الشخص.
وتؤكد المحكمة أن الاندماج لا يمكن اختزاله في عنصر العمل وحده، على الرغم من أهميته، بل يجب تقييمه في بُعده الكلي والملموس. فالإبعاد القسري لأجنبي يكون قد رسّخ حياته الخاصة في إيطاليا ينطوي على خطر هشاشة مُشدّدة، قد ترقى إلى انتهاك للحقوق الأساسية، حتى في غياب الاضطهاد أو المعاملة اللاإنسانية في بلد المنشأ.
4. التقييم المقارن ومبدأ التناسب
يتمثل أحد المرتكزات الأساسية للقرار في التقييم المقارن بين الوضع في بلد المنشأ ودرجة الاندماج المحققة في إيطاليا. وتنتظم المحكمة في إطار الاجتهاد المستقر لمحكمة النقض، الذي يشترط تقييمًا حالةً بحالة، قائمًا على عناصر واقعية وحديثة، وموجَّهًا إلى الموازنة بين المصلحة العامة في الإبعاد وحماية الحقوق الأساسية.
وانسجامًا مع أحدث أحكام محكمة النقض، يؤكد المرسوم أنه لا يُشترط مسار اندماج “مكتمل” أو نهائي؛ إذ يكفي بروز مؤشرات واضحة وجدية ومتوافقة على تجذّر فعلي يجعل الإبعاد غير متناسب. وبذلك يصبح التقييم المقارن المخفَّف الأداة التي يتحقق بها القاضي مما إذا كانت العودة ستؤدي إلى تدهور ملموس في شروط الحياة الخاصة والعائلية، بما يمسّ الجوهر الأساسي للكرامة الإنسانية.
5. الآثار المنهجية والآفاق المستقبلية
يقدّم مرسوم محكمة بولونيا إسهامًا ذا أهمية خاصة للممارسة القضائية والإدارية. فهو يوضح أن إصلاح عام 2023 لم يُفرغ الحماية التكميلية من مضمونها، بل أسند إلى القاضي مهمة إعادة تحديد معاييرها في ضوء المبادئ الدستورية والاتفاقية.
والنتيجة نموذج حماية غير آلي، لكنه صارم، تُمنح فيه للاندماج الاجتماعي قيمة قانونية كاملة، وتغدو فيه الحياة الخاصة والعائلية محور عملية الموازنة. وفي سياق تتجاذبه توترات بين سياسات ضبط الهجرة وصون الحقوق الأساسية، يعيد القرار التأكيد على دور القاضي بوصفه الضامن الأخير لكرامة الشخص الأجنبي.
الإحالة إلى النشر
يمكن الاطلاع على النص الكامل لمرسوم محكمة بولونيا الصادر بتاريخ 12 ديسمبر 2025 (السجل العام رقم 8151 لسنة 2024) في النسخة المنشورة على منصة Calameo عبر الرابط التالي:
https://www.calameo.com/books/0080797751346a938fdea
Avv. Fabio Loscerbo